منى المستقبل بين كفاءة الإيواء وفعالية النقل وانسيابية المشاة وتنقية الخدمات

Abstract

استندت كل مشاريع التطوير العملاقة التي حظي بها مشعر منى طوال الثلاث عقود ونصف الماضية على مبدأ التعايش مع الأوضاع القائمة والعمل الدؤوب على تطويرها دون الخروج عن مفاهيم وفلسفة الفكرة العامة لتلك الأوضاع، فلقد ظل تنافس العناصر المكونة لبيئة المشعر (الإيواء، النقل، الخدمات، المشاة، وشعيرة رمي الجمرات) على استحواذ الأرض هو المبدأ السائد طوال تلك الحقبة من الزمن رغم الأثر السيء لهذا التنافس الذي انعكس سلبًا على كل منها. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فالإيواء نفسه ظل أسير فكرة استخدام الأرض على مستوى واحد فقط، وظل النقل مخترقًا للمشعر مُعَطِلاً ومُعَطَلاً وفاقد لقدر كبير من فعاليته وكفاءته، وظلت الخدمات تقدم بنفس الأساليب العتيقة التقليدية دون أن تستثمر ما وصل إليه العلم من تقنيات، وظلت مسارات المشاة تنوء بحملها تعيق وتعاق وتشغل حيزًا أكبر فأكبر، أما شعيرة رمي الجمرات فقد حافظت على مبدأ التحلق حول الجمرة رغم خطورته الشديدة التي لم يجدها نفعًا تكرار المستويات. اليوم، ومنى تستشرف آفاق المستقبل لتلعب دورها في منظومة الحج تحتاج إلى صياغة حلول جديدة لتخطيطها وتطوير عناصر البيئة المكونة لها، وتستلزم هذه الحلول بدورها أن تكون النظرة أكثر شمولية وأكثر منهجية وأكثر حساسية وإدراكًا لمقتضيات التطوير الآنية والمستقبلية دون تعارض أو تناقض. تتعرض هذه الدراسة للأسس والمفاهيم والاعتبارات والاستراتيجيات التي يمكن أن تنير الطريق لكافة الحلول المتعلقة بقضايا الإيواء المتعطش إلى كل متر من الأر ليحقق الاستيعابية المطلوبة، وقضايا النقل المحتاج إلى قدر هائل من التفعيل والديناميكية، وقضايا شبكة سير المشاة المتأملة في التشجيع والتطوير والاهتمام والتحكم الدقيق، وأخيرًا قضايا الخدمات والإدارة والمراقبة الباحثة عن التحديث والتقنية ليس بمفهوم التعايش مع الأوضاع القائمة بل بارتياد رؤى جديدة وتبني مفاهيم وفلسفة أفكار مبتكرة ومستنبطة مع واقع التحليل العلمي، وكل ذلك في إطار استراتيجية حل شامل على المدى القريب تتفاعل مع الواقع وتفعله إلى حين، ثم تحوره ضمن استراتيجية حل شامل على المدى البعيد لتنتقل به إلى ما يحقق متطلبات ومقتضيات المستقبل.